الصفحات

2022/07/29

الربا والصرافة الإسلامية

 الربا والصرافة الإسلامية

في كل مرة لما أتجاذب مع أصدقائي أطراف الحديث ونتناقش عن موضوع الصرافة الإسلامية وهل هي من "التجارة" الحلال أم من الربا  الحرام يتحول الكلام باتجاه بعيد جدا عن معنى الربا فالبعض يتوسع في الكلام كيف أن المصارف الإسلامية تعاملهم مع الناس سيء ونسبتهم عالية وأن المرابحة والفائدة مجرد تلاعب بالأسماء وكله واحد ... والبعض يسير  نحو بحث بحث شروط البيع وهل يحققها المصرف الإسلامي فيقول لك هو ليس تاجر بدليل ليس عنده معرض سيارات ولا يحوز السيارات (من "الحيازة") ولا هو مقاول بناء يبني البيوت التي يبيعها ويحاول اثبات الغرر من قبيل لا تبع ما ليس عندك، لا تبع ما لا تملك، لا تبع السمك في الماء والطير في الهواء ... وبيع مشروط وبيعين في بيع ... ومثل هذا النقاش يحصل مع زملائي وأصدقائي وأقاربي سواء لما كنت طالب في الجامعة ولما اشتغلت في التدريس وبعد أن تركت التدريس بل وفي الجلسات العائلية على مدار 20 سنة. وهذا محزن جدا وسأذكر لماذا.

صرف الانتباه عن معنى الربا

الربا من الكبائر وهي جريمة في حق الله سبحانه وتعالى بل هو إعلان حرب على الله بنص الآية 279 من سورة البقرة

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)
فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)

المجرم هنا ليس فقط المرابي الذي أخذ الزيادة بل المحتاج الذي دفع تلك الزيادة. "الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ" وهذا نص الحديث (رواه البخاري وأحمد) . هي ليست جريمة في حق العبد. ولا يزول إثمها لو سامح الذي دفع الزيادة وطاب نفسا بدفع الزيادة. بالمقابل بحث شروط البيع كالغرر والحيازة وغيرها فهي "جرائم" البائع في حق المشتري فإن غرر بائع ما بمشتر ما (مثلا باعه ما ليس عنده أو ما لم تتم حيازته) فإن وزرها على البائع وحده دون المشتري وتزول بإعادة الحق للمشتري أو مسامحته أو رضاه. مجرد بحث هذه الأمور هو مغالطة الرنجة الحمراء. 

ما هو الربا؟

باختصار مخل الربا نوعين وحيلة (مذكورة نصا)
  1. ربا النسيئة (ويسمى ربا الجاهلية): مال بوقت. "أخر لي وأنا أزيدك". قرض جلب منفعة.
  2. ربا الفضل (ويسمى أيضا ربا الصرف/النقد): مال بمال. الاختلاف في الصنف (الصيرفة) مع التقابض تجارة ومع الدين ربا. والاشتراك في الصنف مع اختلاف المقدار ربا.
  3. حيلة بيع العينة: بيع العين بالدين. حيلة ربوية  بأن تشتري شيء بأجل بسعر مرتفع ثم تبيعه كاش بسعر أقل. فإن كانت في مجلس واحد ولنفس البائع المحصلة هي أنه بيدك مال قليل وعليك دين أكثر منه وهي مذكورة نصا في الحديث "وتبايعتم بالعينة".
ملاحظة: غير صحيح أن الربا كذا وسبعين صنف. هم نوعين فقط. يقول الشافعي في الأم "وقلنا الربا من وجهين في النسيئة والنقد" ويقول ابن قدامة في المغني "والربا على ضربين ربا الفضل وربا النسيئة".  والحديث في البخاري "لا ربا إلا في النسيئة".وشاهدي من هذا الحديث ليس نفي الربا عن الفضل ولا عن العينة بل الشاهد أنها ليست سبعين صنفا.

النوع الاول يدور حول عامل الزمن يعني القرض (الدين). القرض في الإسلام ليس نشاط تجاري وليس من وسائل تنمية المال المعتبرة شرعا ويجب أن لا يجلب منفعة للمقرض (أيا كانت هذه المنفعة). فلو اتفق شخص أن يقترض شخص ألف دينار ويسددها ألف دينار ويضيف فوقها هبة مئة دينار برضاه هذا ربا. لأنه قرض جلب منفعة. لأن تأجيل السداد زاد "الهبة". وإن كانت بموافقة المقترض ورضاه (وتمسيتها هبة). "أًخِّر لي وأنا أزيدك" هو ربا النسيئة وهو جريمة في حق الله وليس في حق المقترض. مسامحة المقترض وتسميتها هبة لا تغير شيء. تسميتها فائدة أو مرابحة أو خدمة الدين أوغرامة تأخير كلها لا تغير شيء.
من جهة أخرى العكس ليس بالضورة ربا. "عجل لي وأضع عنك" (سدد مبكرا أسامحك بجزء من الدين. سدد مبكرا تحصل على خصم أو هبة أو سمها ما شئت) فهناك من أجازه (ابن عباس/صحابي، النخعي/تابعي، زفر الحنفي، وأبو ثور الشافعي) وهناك من اعتبره ربا (أغلب الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة). وهذه الصورة ليست موضعنا. موضوعنا أن "أخر لي أزيدك" هو ربا النسيئة.

أما النوع الثاني ربا الفضل (أو الصرف) فليس فيه عامل الزمن بل العامل الحاسم فيه هو اشتراك المال في الصنف.  دل عليه الحديث في صحيح البخاري "حدثنا أبو نعيم حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال كنا نرزق تمر الجمع وهو الخلط من التمر وكنا نبيع صاعين بصاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم" وفي البخاري أيضا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُمْ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا، وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ.

وقد روى مسلم قول رسول الله "الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ."

ومعنى الحديث الأول أن مقايضة مقدار من التمر الجيد مع مقدار أكثر من التمر الأقل جودة تعتبر ربا. ونستنتج من الحديث الثاني أن اختلاف الصنف يجعلها "بيعا" أما تشابه الصنف فيتوجب أن يكون نفس المقدار "مثلا بمثل صاع بصاع يدا بيد"

وهنا ننتبه إلى نقطة مهمة وحاسمة ما يجعله ربا أم تجارة ليس أنه ذهب أم سلعة. بل اتحاد الصنف أو اختلافه. مبحث هل الذهب سلعة أم نقد هو رنجة حمراء. لأنه لا خلاف أن التمر سلعة ومع ذلك هي نصا ربا.

وفائدة أخرى من هذين الحديثين أن دخول الدراهم وخروجها في مقايضة التمر الجيد بالتمر الأقل جودة ليست حيلة بل هي هدي نبوي "بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا". يعني حتى لو ظهرت معاملة ما تكافئ معاملة أخرى في النتيجة هذا لا يعني أنها حيلة. العبرة هي اختلاف الصنف.

معنى كلمة "هاء بهاء ويدا بيد" يعني هات وخذ بنفس المجلس يعني ليس أحدهما مؤجل (يعني ليس دين).

وضمن نفس المبحث تجد حديث "الذهب بالورق" (يعني الفضة) والمقصود هنا تصريف العملات. والمقصود بكونها ربا إلا هاء بهاء  يعني أن تصريف العملة يكون فوري (مثلا لأن سعر الصرف يتغير) فتصريف عملة مقبوضة بعملة بالدين أيضا ربا (سواء اتحدت بالصنف أم لم تتحد بالصنف) ومن فوائد هذا الحديث أن تصريف العملة (الذهب بالفضة مثلا) مع التقابض حلال.

خطر صرف الانتباه عن معنى الربا؟

حذرنا الله سبحانه في القرآن من أن المرابين سيقولون بأن البيع/التجارة والربا سواء الآية "ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا". يعني لما تسمع واحد يقول لك البنوك الإسلامية والبنوك الربوية مثل بعض اعلم أن هذا الكلام يوافق كلام المرابين واحذر أن تقع في هذه المغالطة. ولا أقصد من كلامي هذا أن أعطي صك براءة للبنوك الإسلامية وأن تعاملاتهم كلها صحيحة. بل ننظر في كل عقد بما فيه من بنود. لكن لا نضعهم مع المرابين في كيس واحد.

إن صرف الأنظار عن معنى الربا يكون من وجهين
  • المرابي الذي يريد أن يقنعك أنهم سواء. تماما مثل ابليس لما عصى وطلب مهلة ليس ليتوب بل ليضل الناس معه. تقنيط الناس من الحلال. لسان حالهم "الحلال مش موجود وكله حرام مثل بعضه فخذ اللي بيعطيك أحسن سعر"
  • البنوك الإسلامية التي تريد التحايل. فلما تخفي عنك المعنى الحقيقي للربا وتأخذك إلى تفاصيل لا علاقة لها بالربا. يعني البنك الإسلامي الذي يمتلك معرض سيارات ويبيعك ما عنده وما يحرزه في مصف سياراته لكنه يأخذ "غرامة تأخير" لما تعسر أو تأجل قرض ها مرابي.
نقطة مهمة يجب أن ننتبه لها وهي أن البنوك الربوية هي حرام صريح أم البنوك الإسلامية فعندها شبهات. والشبهات لا تكون أبدا مثل الحرام الصريح. وهذه الشبهات تكون بقدرها كل حالة بحالتها وكل عقد بعقده. وأيضا البنوك الربوية التي عندها محافظ إسلامية تعامل معاملة البنوك الإسلامية. لأن العقد بين طرفين فقط. يعني لو شخص مرابي تعاقد مع أحمد بعقد بيع وشراء حلال وتعاقد مع جوني بعقد ربوي فإن أحمد في هذا المثال عقده حلال وذمته بريئة من إثم جوني وعقد جوني. لنتخيل صحابي رهن درعه عند يهودي وهذا اليهودي ربما أقرض قرضا ربويا لأحد الكفار الوثنيين ما علاقة ذمة الصحابي بذمة الوثني.

إن جر الحوار بعيدا عن معنى الربا نحو 
  • المصارف الإسلامية تعاملهم سيء
    • هذا يجعلهم تاجر متعجرف وليس مرابي
  • المصارف الإسلامية نسبتهم أعلى
    • هذا يجعلهم تاجر جشع وليس مرابي (العلة في تحريم الخمر ليس أنه أغلى من الماء)
  • المصارف الإسلامية ليس عندهم معارض سيارات ولا يحوزونها وليست عندهم والغرر وبيعين في بيع...
    • عجبا يعني لو مصرف ربوي امتلك معرض سيارات صار حلالا!؟
    • التغرير بالمشتري هو جريمة في حق العبد بينما الربا هو جريمة في حق الله لا تزول برضا الطرفين. فلو حصل الرضا وحصل الحيازة في نهاية المطاف انتفى الإثم في الغرر. بينما الربا لا ينتفي هكذا.
هذا رسم توضيحي يوضح الحالات التي شرحناها (باختصار مخل جدا)


المرابحة هو أن يشتري البنك سلعة نقدا ويبيعها لك بالتقسيط (بيع الآجل) والزيادة هنا هي ربح البنك عند العقد وهي كالزيادة بين بائع المفرق وبائع الجملة وهي يجب أن لا تزيد عند الإعسار (غرامة التأخير ربا) ويجب أن لا تزيد عند رفع الفائدة في البنك المركزي ...إلخ لأن العقد انتهى وقت العقد. يجوز أن يكون سعر السلعة نقدا غير سعرها أقساط وغير عن سعرها بالشيكات يجوز أن يكون سعر الجملة غير سعر المفرق.

أما الأجارة المنتهية بالتمليك هو أن يقوم البنك بشراء عقار نقدا ثم يبيعك إياه بالتقسيط وفي أثناء التقسيط تدفع للبنك أجرة انتفاعك بحصة البنك من البيت.

البنك الإسلامي ليس مقرض البنك هو تاجر. يشغل ما بحوزته من مال في السوق كي ينميه بكل الوسائل المشروعة. البنك الإسلامي ليس بيت مال المسلمين هو تاجر هدفه الربح.

من صور الاحتيال على الربا أن تذهب للبنك تريد نقدا (فلوس) فيقول لك البنك سنعطيك به حديد بناء سعر الطن اليوم بالسوق كذا ونحن نحسبه عليك بسعر كذا بعد إضافة ربحنا. نسجل أننا بعناك حديدا ثم اشتريناه منك. فتخرج وبيدك النقود وعليك سداد نقود. ولا يوجد حديد إلا على الورق. هذا هو بيع العينة وهو شكل من أشكال الربا. وهو يحصل حتى لو كان الحديد موجودا على الحقيقة.

الذي يقول ان البنوك الإسلامية عقودها ربا يجب أن ينحصر كلامه في بحث صورتي الربا (ربا الفضل/الصرف أو النسيئة) أو الحيلة (العينة) وإلا كان كالمرابي الذي يقول البيع مثل الربا كي يبرر الربا الذي وقعه فيه. هذه ليس تصحيح الخطأ الشرعي بل تميع القضية وتبرير الربا فالآية " ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا"   نزلت في "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا". يجب أن لا ينجر الحوار لبحث ضمانات حق البائع والمشتري لأنها حقوق عباد تنتهي بالرضا مثلا لا يوجد شخص اشترى سيارة أو شقة من بنك اسلامي ولم يتم حيازته لها لأن البنك باعه "سمك في الماء أو طير في السماء" أو باع نفس السلعة لشخصين. في الأردن رقم الشاصي VIN هو تعين للسيارة وحيازتها تكون بتسجيلها في دائرة الترخيص. تعينها ليس وضعها ليس باختيارها من معرض وحيازتها ليس بوضع السيارة داخل سور أو كيس. (بعض الدول الأخرى هناك بيع فلت غير موثق عند الدولة).

مثال للتوضيح لنفرض أن رجل تزوج مرأة بمهر 10 ليرات ذهب إنجليزية وبعد فترة اكتشفت أولاده أنها ليرات ذهب رشادية وليس إنجليزية (يعني أقل بغرام واحد في كل ليرة). هذا الخلل في المهر (الذي هو من شروط الزواج) لا يجعل هذا الزواج زنا ولا هؤلاء الاولاد أولاد حرام. والخلل الحاصل ينتهي بإعادة الحق لأصحابة. كذلك البحث في حقوق البائع والمشتري (كالحيازة) سواء كان هناك خلل أم لا فهو لن يجعل العقد ربويا أو بالعكس وهو إشكال إن حصل ينتهي بإعادة الحق ورضا المشترى بالمقابل الربا يظل ربا حتى لو كان بالرضا وحتى لو سمو الفرق هبة. الأسئلة التي يجب أن تسألها ماذا يحصل لو أجلت موعد سداد دفعة؟ هل سيزيد المبلغ؟ ماذا يحصل لو تغير سعر الصرف؟ ماذا لو غير البنك المركزي سعر الفائدة؟ ... 

الحكمة من تحريم الربا

باختصار مخل في الاقتصاد الربوي هناك ارتباط عكسي بين مشكلتي التضخم والبطالة (يسمى منحنى فيلبس) وأي محاولة حل أحدهما تزيد من الأخرى. زيادة الربا تجعل الناس يفضلون كنز أموالهم وجني الفائدة عنها مما يؤدي إلى قلة الانتاج وبالتالي زيادة البطالة. وتقليل الفائدة يؤدي إلى زيادة التضخم بسبب فيض المال بيد الناس فيزيد الطلب مع ثبات العرض.

أيضا مقايضة المال القليل العاجل بالمال الكثير المؤجل (سواء ربا النسيئة أو ربا الصرف) يؤدي بشكل مباشر إلى التضخم المستقبلي (يعني زيادة التضخم والبطالة معا في المستقبل). 

الحكمة من الصرف

ذكرنا قصة أن تمر بتمر لا يجوز ويجب أن يباع بدراهم ثم يشترى بدراهم. البعض قد يرى دخول المال في العملية كأنه حيلة وأنه مضيعة للوقت. فما هي الحكمة من ذلك؟ لنعلم اولا أن دراسة الاقتصاد تكون على مستويان اثنان: الاقتصاد الكلي Macroeconomics والاقتصاد الجزئي Microeconomics فالأول يعنى بدراسة مقاييس على مستوى المجتمعات والدول والثاني على مستوى الأفراد. الربا هو من مواضيع الاقتصاد الكلي بمعنى في مجتمع يشيع فيه الربا فإن غير المرابي سيعانا من تبعات التضخم مع أنه لم يشارك في الربا. إن تبعات رفع الفائدة تطال غير المرابين والذين لا يتعاملون بالفائدة. إن أحد أهم مقاييس الاقتصاد الكلي هو الناتج المحلي الإجمالي GDP وهو مجموع كل السلع والخدمات في المجتمع. لو دفع عمرو 5 دنانير ثمن حلاقة شعره وقبض زيد الحلاق تلك الدنانير هنا لدينا اقتصاد زاد بمقدار 10 دنانير لأن زيد كسب 5 دنانير وعمرو أخذ خدمة قيمتها 5 دنانير. فتداول المال بين المنتج ومقدم الخدمة وصاحب المال هو من أهداف الشريعة خلافا لكنز المال وتداوله بين طبقة بعينها. {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ} الآية ...  لهذا كانت الزكاة على الحول يعني المال المكنوز مدة سنة {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} الآية. 
فلو كان لدينا نفس ال 5 دنانير لكنها تنتقل من شخص إلى آخر فهذه قيمة عظيمة في كل مرة تنتقل يزيد الناتج المحلي الإجمالي. فلو اشترى زيد الحلاق حذاء من سعيد بنفس ال 5 دنانير التي قبضها من عمرو فإن النانج زاد بمقدار 20 دينار من نفس ال 5 دنانير. 
لو كنا في اقتصاد فيه زيد معه تمر فاخر وعمرو عنده تمر أقل جودة وتقايضا. عندنا مجتمع في فردان معهما تمر قبل المقايضة وهما كذلك بعد المقايضة هنا الناتج المحلي لم يتغير بشيء. لكن ليس هذا هو الواقع. لدينا شخص عنده تمر فاخر لا يكفيه ويريد كمية أكبر من التمر فباع التمر الفاخر الذي عنده وقبض المال. وبثمنه اشترى كميات تكفيه من التمر الأقل جودة. هنا لدينا سلعتان وبيعان. والناتج المحلي زاد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق